فضائح للإيجار: تحولات البلاغة العنيفة من الأزقة إلى الفضاء الرقمي

من الشارع إلى المنصة: إرث قديم بثوب رقمي
عبر العصور، لم تكن الفضيحة والتشهير ظواهر طارئة على المجتمعات، بل أدوات للضغط الاجتماعي أو لتصفية الحسابات، استخدمت فيها كل الثقافات وسائلها الخاصة: من نساء يصرخن في الأسواق، إلى شهادات زور في المجالس، أو فرق غناء هجائية تنشر العار والقطيعة في مناسبات علنية.
نماذج من مجتمعات متعددة
- في العالم العربي، كانت بعض النساء يُستأجرن للصراخ في الأسواق بهدف تشويه السمعة أو لإطلاق شائعات بحق أسر معينة.
- في مصر وبلاد الشام، ظهرت "الستات المؤجرات" اللواتي يقتحمن المناسبات ببث اتهامات علنية تمس الشرف أو النزاهة.
- في أوروبا، شاعت ظاهرة "الشهود الزور" الذين يقدمون روايات ملفقة في المحاكم أو التجمعات.
- في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، برزت فرق غنائية تؤجر للهجاء العلني، أو لعزل أفراد اجتماعيًا بوسائل رمزية.
السينما كمرآة للواقع
لم تغب هذه الظواهر عن الشاشة. تناولت السينما المصرية نماذج البلطجي والمرأة الفظة المؤجرة لإثارة النزاعات، بينما جسدت هوليوود العصابات المستأجرة للهجوم أو الابتزاز. في المسلسلات التركية والهندية، غالبًا ما يظهر "رجل المال" الذي يدير شبكات التشويه مقابل النفوذ.
ما قبل الإنترنت: أدوات الضغط والإذلال
- التشهير الميداني عبر الصراخ أو التهديد.
- النميمة المنظمة عبر جلسات الأحياء أو المجالس.
- الابتزاز برسائل أو صور خاصة.
- تأجير رجال أو نساء لتنفيذ اعتداءات لفظية أو بدنية.
التحول الرقمي: نفس الأدوار، بوجه جديد
اليوم، تم استبدال الميكروفون بالسوشيال ميديا، والحارة بالترند. أصبح بالإمكان إطلاق حملة تشهير كاملة من هاتف ذكي، دون الحاجة للظهور أو التواجد. وجدت الحسابات الوهمية والمأجورة، وظهر “الخبير” الذي لا يقدم إلا الاتهام، و”الضحية” التي تفتح بثًا مباشرًا يجر الخصم إلى محكمة الرأي العام.
أمثلة معاصرة من أربع قارات
- في أمريكا: أفراد يُستأجرون للبحث عن "قصص تشويه" وبثها عبر المنصات.
- في أوروبا: منصات تنشر سرديات مفبركة لصالح خصوم سياسيين أو تجاريين.
- في آسيا: شبكات ضغط تشن هجمات منظمة على نساء بسبب اللباس أو الآراء.
- في المنطقة العربية: بثوث مشتركة تنسق هجمات على أفراد أو أسر دون أي تحقق.
كيف تعمل حملات التشهير الإلكترونية اليوم؟
- دفع مقابل الهجوم: يُستأجر صانع محتوى أو أكثر ليبدأ بنشر القصة، يشاركه آخرون التعليقات والتفاعل.
- تضخيم الموضوع: كلما زاد عدد الحسابات المشاركة، ظهر للمتابعين أن القضية "كبيرة" و"حقيقية".
- إضافة البعد العاطفي: يظهر طرف كضحية ويُعرض صور أو تسجيلات صوتية (حقيقية أو مفبركة)، ليتم استدرار تعاطف الجمهور وتحريضه.
- طلب الدعم أو التبرع: أحيانًا، يتم جمع أموال أو هدايا رقمية لاستمرار الحملة، أو يُطلب من المتابعين الإبلاغ عن الخصم.
دروس من التاريخ
ما تغير ليس النية أو الأسلوب، بل سرعة الانتشار وحجم الضرر. كانت الفضيحة في الحي تنتهي غالبًا بالصلح أو تدخل الكبار، أما اليوم فالهجوم لا ينتهي بسهولة، ويظل أثره على محركات البحث وعلى “السمعة الرقمية” للضحية سنوات.
خلاصة
البلطجة الإلكترونية هي الابن الرقمي للفضيحة التقليدية. فرق واحد فقط: عدد الشهود أصبح بالملايين، والضحية محاصر أمام جمهور لا ينسى، وبعض المهاجمين يحصلون على المال أو الشهرة أو النفوذ، بينما يدفع المجتمع كله ثمن الفوضى.
لا تكن طرفًا في تداول أو تصديق فضيحة لم تُحقق فيها بنفسك، وتذكر أن المشاركة في حملات الهجوم الإلكترونية قد تُسهم في تدمير حياة أبرياء وتفاقم النزاعات بدل حلها.
منصة LINE 13 تدعو قراءها لتحري الحقيقة، وتجنب الانجرار وراء حملات الإساءة، فكل كلمة تكتبها أو تشاركها قد تصنع فارقًا حقيقيًا في مصير إنسان أو عائلة كاملة.