شعار LINE 13

منصة مستقلة للقصص الممنوعة والحقائق المخفية

الكاتب اليوم هش..


الكاتب اليوم هش
LINE 13 | مروى علي الدين

في المسافة بين الجملة الأولى والأخيرة، هناك حياة كاملة ينهكها التعب. الكاتب ليس بطلًا تراجيديًا، بل كائنًا هشًّا يُجرّ كل يوم إلى ساحة حرب غير مرئية: صراع ضد الفواتير، الجفاف العاطفي، الأخبار المتراكمة، ضغط العائلة، المرض، واللاجدوى.

نشهد في الآونة الأخيرة رحيل الشعراء بصمت، ومرض كتّاب كبار لم تلتفت إليهم جهة ولا نادى باسمهم ناشر. كأنهم يموتون خارج اللغة.. هذا الواقع يُشبه الخيانة، لا من أحد، بل من الزمن نفسه.

الكاتب لا يريد الكثير. لا يطلب من قارئه سوى شيء واحد: أن يقرأ. القراءة هي الفعل الوحيد الذي ينقذ الكاتب من التحول إلى ظل. فحين تُقرأ، تشعر أنك لم تكتب عبثًا. أن هناك من التقط الجملة قبل أن تسقط منك.

ولكن، ماذا لو انطفأت القدرة على كتابة الجملة نفسها؟
في هذا الزحام الذي يشبه مجزرة بطيئة، يفقد الكاتب تماسكه. كلما جلس ليكتب، جاءته نداءات متنافرة: ترجمات معلقة، مشروع رواية بلا ملامح، مقال لا يعرف من أين يبدأه، وغرفة غير مرتبة، وأطفال جائعون، وشريك لا يرى في الكتابة إلا كسلًا متخفيًا.

تكتب الجملة وتبدو لك باردة. تحذفها. تعود فتكتب، لكن شيئًا من داخلك لا يصدقك. التشتت يصبح سيّد اللحظة. وهنا يفهم الكاتب أن أهم ما يحتاجه ليس الإلهام، بل الحماية. الحماية من الإنهاك، من التعليقات المسمومة، من الاستنزاف العائلي والمهني والعاطفي.

والعلاقة بالناشر؟ إنها في أغلبها غير متوازنة. الناشر يريد كاتبًا ينتج ويروّج ويظهر ويشارك، بينما الكاتب يريد مساحة آمنة. لا يريد النشر المجاني، بل التقدير الحقيقي. لا يريد مجاملة، بل حوارًا.

أما الكاتب والقارئ، فبينهما حب من طرفين، حين يكون صادقًا. الكاتب لا يكتب لجمهور، بل يبحث عن قارئٍ حقيقي واحد، يستقبل ما كُتب بقلب مكشوف، ويتفاعل.

في النهاية، الكاتب لا يموت حين يتوقف عن الكتابة، بل حين لا يُقرأ. يموت حين يُحاصر بمهام الحياة، فيصبح الزمن الذي كان يُهدى للكتابة، زمنًا للغسيل والطبخ وتسكين الألم.

اقرؤوا للكتّاب الذين تحبونهم.
اسألوا عنهم.
امدحوهم في غيابهم.
فربما تكون الجملة التي ستُنقذهم، هي جملتكم أنتم..

— تحرير: مروى علي الدين